أسماء شحاتة - الجزيرة توك - مصر
ترى.. هل ارتاحت الآن أمهات الشهداء الذين روت دماؤهم أرض مصر فاندلعت ثورة أسقطت النظام وحاكمت رؤوس الفساد بدءاً من رئيس الجمهورية المخلوع وحاشيته انتهاءً بأبنائه وكل أسرته؟
وددت لو طرحت هذا السؤال على أم الشهيد - كريم بنونة - التي أبكتنا، أو "الصابرة" أم الشهيد مصطفى الصاوي، وغيرهم الكثير والكثيرمن ورود مصر التي تفتحت لتروي أرض مصر حرية, وتعلمها معنى الكرامة والعزة والعدل.
حينما راودتني نفسي لأكتب عن هؤلاء قدر الله لي أن أستمع اليوم للشيخ صفوت حجازي في إحدى احتفاليات الثورة المصرية بمحافظة المنوفية. كان يحكي عن أم أحمد!
من هي أم أحمد؟
هي إحدى الثائرات اللاتي استوطنّ ميدان التحرير منذ اليوم الأول للثورة التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير الماضي، تحمل لافتة كتب عليها "لن أرحل من ميدان التحرير حتى آخذ ثأري"
لأن ملامحها الطيبة اختلطت بإصرار وعزيمة غريبة على امرأة في عمرها تحمل في صدرها قلباً ينبض شباباً وثورةً، يحكي الشيخ صفوت سألتها عن أي ثأر تتحدثين يا أم أحمد؟
في عينيها تترقرق دموع الذكريات التي عاشتها والأمل الذي تعيش.
كانت عروساً مثلها مثل كل فتاة تتوج سنوات عمرها بزوج محب عطوف يكون الأب والأخ والصديق، عروساً جديدة تطلب من الدنيا الراحة والسعادة في كنفه, وأبناءً صغاراً يمرحون من حولهما يملئون البيت شقاوة لذيذة... تنهرهم بحب وتفرغ في قلوبهم حناناً زرعه الله في قلبها لهم.
لكن السنوات تمر - عشرون عاماً - وبلغت هي الأربعين عاماً، وما زال الأمل في فضل الله كبير حتى حدث ما انتظرته وزوجها أعواما طويلة.
في أحشائها تنبت بذرة حب وود وأمل ودعاء، وتمر الشهور الواحد تلو الأخر حتى يحين موعدها، وفي سيارته يحملها زوجها الذي يكاد قلقه عليها يوازي فرحته بأحمد الذي انتظره ليلهو معه ويكبر على يديه ليعلمه المشي بعد الحبو، والركض بعد السير.
مسرعاً بسيارته ينطلق إلى المشفى لتقر عيناه بمولوده المنتظر، إلى كوبري 6 أكتوبر يصعد فإذا به يتوقف، سيارات على مرمى البصر ولا سبيل للتحرك إلى الأمام أو التراجع إلى الخلف.
يترجل من سيارته إلى حيث ضابط المرور يسأله عن سبب التوقف, فيقول له "الرئيس مبارك في مجلس الشعب والطرق كلها توقفت حتى يمـر!"
يعود إلى السيارة وتمر ساعة، ثم أخرى وثالثة, ليترجل مجدداً يستجدي الضابط أن يجد له مخرجاً فزوجته تلد، فما كان من الضابط إلا أن رفع يده وصفعه على وجهه صفعة أهانت كرامة رجل، عاد يجرجرها ليفتح باب سيارته فيجد زوجته وقد أغمي عليها من الوجع وفي دواسة السيارة مولوده أحمد.. مفارقاً الحياة.
تسيل دموع الحضور, ويتوقف الشيخ صفوت هنيهة - وقد تهدج صوته من بكاء مكتوم - ليكمل: بعد ثلاثة أشهر.. مات أبو أحمد ولا نعلم أمات كمداً على أحمد الذي انتظره عشرين عاماً، أم من كرامة وعزة أهينت على يد من لم يعرف رحمة ولم يدرسها في كلية الشرطة, التي تدعي أنها في خدمة الشعب.
بعدما انتهى الشيخ صفوت من حكاية أم أحمد, شردت ببصري بعيداً عن المكان، جلت بخيالي ميدان التحرير وهو يموج بثواره ويمتلئ عن بكرة أبيه بهم وهم يطالبون بإسقاط النظام ومحاكمة رئيس لم يراعِ فيهم إلاًّ ولا ذمة.
وتذكرت قبل أعوام قليلة حادث العبارة الذي ذهب ضحيته ما يقارب الألف ومائتي قتيل، ومن قبلها بسنوات كانت حادثة قطار الصعيد الذي تفحم ركابه بسبب الإهمال والفساد حتى في الصيانة وسبل الأمان في المركبات، ومئات السجناء الذين حبسوا ظلما وعدوانا وصودرت أموالهم وحوكموا أمام قضاء ليس لهم، ولو ظللت أتذكر وأتذكر لفعلت.
ولوجدت الكثير من الحوادث المفجعة المؤسفة التي راح ضحيتها آلاف المصريين، أفلا يستحق هؤلاء أيضاً أن يُسألوا اليوم، أشُفِيَ غليلكم أم لا؟ هل أخذتم اليوم بثأركم وثأر أبنائكم وأزواجكم وإخوانكم وآبائكم؟
وأتنبه على كلمة من الشيخ صفوت وهو يختم قصة أم أحمد فيقول: يوم تنحي الرئيس المخلوع مبارك وجدت أم أحمد وقد أتت إليّ في المكان الذي اعتدت الجلوس فيه في ميدان التحرير وهي تطلق الزغاريد فرحة بتحقق أولى خطوات الحرية وتقول لي اليوم أخذت ثأري يا شيخ ووجدتها تقلب اللافتة التي تحملها وتقول الآن جاء دور خلفيتها وقد كان مكتوباً عليها.
يا شرفاء مصر.. موعدنا القادم في بيت المقدس
فأي روح تلك التي تحملها بين جنباتها أم أحمد والتي لا تفضل أن يناديها أحد إلا لهذا الاسم، وكم من أم أحمد تغيب عنا مكاناً وزماناً ولا نعلم عنهن الكثير..؟!
http://aljazeeratalk.net/node/7755